من يتصور أن السلاحف لا تثور فهو يعيش وهماً كبيراً! وعليه أن يقرأ كتاب «ثورة السلاحف»، وهو كتاب ساخر للشاب أحمد عبدالعليم الذى كنت أطالعه بالصدفة يوم 14 يناير بتوقيت تونس الثورى! الكاتب فى أوائل العشرينيات وخريج سياسة واقتصاد، مهموم بالشأن الاجتماعى والسياسى، حاول ترجمته إلى «كليلة ودمنة» جديدة لكنها من خلال حيوان واحد هو السلحفاة، يستخدم اللغة الساخرة الموجعة التى صارت اللحن الأساسى فى كتب الشباب الجديدة، الذى يعزفون عليه تنويعات وتوزيعات مختلفة وشديدة التميز. السلاحف كائنات بطيئة تدفن رأسها فى صَدَفة صخرية، ولكنها حطمت الصَدفة (بفتح الصاد) بالصُّدفة (بضم الصاد)، وأحياناً تصنع الصدفة الثورات التى يصنعها الناس ويؤججها المنظرون ويسرقها الفاسدون.

يقول أحمد عبدالعليم عن حديث شباب السلاحف عن التغيير: «رغم أن الكون واسع إلا أننا، مجتمع السلاحف، كثيراً ما نظل منغلقين داخل بيوتنا، ندفن رؤوسنا داخل أجسادنا فنصبح مثل الصخرة التى لا أمل فى حياة فيها، نظل لا نشعر بقيمة الشمس إلا وقت الغروب، لا نعلم أن مجرد رغبتنا فى التغيير.. تغيير».

تعتمد ديمقراطية السلاحف على أن الأسرع يحكم! وكما يقول كتاب «ثورة السلاحف»: «الديمقراطية ليست كبيرة على الشعب بل كبيرة على نظام مستبد، الديمقراطية ليست منحة أو هبة من الحاكم ولكنها واجب وفرض، التغيير ألم فى رأس المستبدين، التغيير من وجهة نظرهم لا يُصنع سوى فى الغرف المغلقة.. فى الظلام.. مع الشيطان، تغيير أعمى تصنعه قلة قليلة من أجل مصالحهم الخاصة».

السلاحف لا يتحاورون مع الآخر بل يتحاورون على الآخر! أطفال السلاحف تربوا على كيفية الحوار على الآخر فى البيت والمدرسة.يقول المؤلف عن إحدى مراحل تطور الشاب السلحفى «تتح»: «قرر أن يطلق لحيته، أخذ من الدين ترك اللحية وترك الدين!! أصبح (تتح) يرى أن كل المجتمع كافر، وأنه وحده يمتلك الحق الإلهى، يملك مفاتيح الجنة والنار».

رصد الكاتب مشاهد متعددة من سيناريو حياة الشاب السلحفى قائلاً: «أبوتتح لا يتذكر الأخلاق والقيم إلا وقت الحاجة والمرض، يطالب بالحرية الشخصية، وأن لكل فرد الحق فى أن يفعل ما يشاء، ولكنها حرية كاملة خارج حدود بيته فقط، أما مع أهله وإخوته وبناته من السلاحف لا يقبل سوى الديكتاتورية العادلة».. إنها الازدواجية التى تعطل ثورة السلاحف.

الكتابة على ألسنة الحيوانات فن قديم كاد يندثر، بعثه الشباب من جديد ونفخوا فيه الروح العصرية، وهو مناسب جداً لهذا الزمن لأننا بالفعل نعيش فى غابة، ولا يكفى أن تعيش داخل درقة السلحفاة الصلبة لكى تحس بالأمان، ولكن من حقك أن تتمرد وتخرج رأسك خارج هذه القبعة الفولاذية وتصرخ «عايز أعيش»، فالعيشة للسلحفاة لا يمكن أن تكون أكل خس طوال الليل والنهار ولكنها لابد أن تكون تنفساً لأكسجين الحرية.